احصائيات 2018

الابحاث المستلمة: 73

الابحاث المقبولة: 32

الابحاث المرفوضة: 21

قيد التحكيم: 20

الدراسات المنشورة: 31

العروض المنشورة: 7

البحوث الجارية: 3

Print E-mail
العدد 10، سبتمبر 2006

التكوين في علم المكتبات والمعلومات في جامعة منتوري قسنطينة ودوره في تحسين الخدمات المكتبية بالجامعة : مكتبة قسم علم المكتبات نموذجا

 

د. محمد الصالح نابتي

أستاذ مساعد، قسم علم المكتبات، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية

جامعة منتوري، قسنطينة، الجزائر

This e-mail address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it

 

مستخلص
تتناول الدراسة التكوين في علم المكتبات والمعلومات بجامعة منتوري بالجزائر، تبدأ بمقدمة حول التكوين بصفة عامة، ثم تناقش التكوين في علوم المكتبات والمعلومات بجامعة قسنطينة بالجزائر، ثم تقدم نموجا لواقع مكتبات جامعة منتوري، وتختتم الدراسة بتناول عوامل النهوض بمكتبات جامعة منتوري.

 

الاستشهاد المرجعي بالبحث

محمد الصالح نابتي. التكوين في علم المكتبات والمعلومات في جامعة منتوري قسنطينة ودوره في تحسين الخدمات المكتبية بالجامعة : مكتبة قسم علم المكتبات نموذجا.- cybrarians journal .- ع 10 (سبتمبر 2006) .- تاريح الاطلاع .- متاح في :>أنسخ هنا رابط الصفحة الحالية<

 


تقديم

التكوين ضرورة حتمية في كل مجالات المعرفة البشرية. وعلم المكتبات والمعلومات هو احد هذه المجالات الذي يمكن اعتباره مجالا محوريا ، ولا يمكن للمعرفة البشرية أن تستغني عنه، لما له من دور كبير في تنظيم هذه المعرفة، خاصة ونحن نعيش تطورات سريعة جدا، مست ميادين النشر بوجهيه التقليدي والحديث.

وقد يكون أحد الأهداف الأساسية من التكوين في علم المكتبات والمعلومات هو تلقين المكونين الطرق والأساليب النظرية والعملية، التي تساعدهم على التحكم في هذا السيل الكبير من المعلومات، وبالسرعة المطلوبة، وبتكاليف جد مدروسة، وتقديمه للقراء، دون أن نهمل الدور الفعال للتكنولوجيات الجديدة للمعلومات والاتصال ، وما أضافته لهذا التكوين، وما أفرزته من تطورات، مند ظهورها وبدايات تطبيقاتها في المكتبات، حيث أصبحت الأن التكنولوجيات الجديدة للمعلومات والاتصال محورا لكل النشاطات المهنية، بما فيها مهنة المكتبات والمعلومات.

وعليه فالتفكير في فتح تكوين متخصص في علم المكتبات والمعلومات، في جامعة منتوري قسنطينة كغيرها من الجامعات في العالم، على غرار ما يستحدث من أنواع التكوين في التخصصات الأخرى، جاء لمواجهة التطورات السريعة والمتسارعة التي يشهدها عالم العلم والمعرفة.

ويعتبر التكوين في علم المكتبات والمعلومات من الركائز الأساسية التي تضعها مختلف أنظمة الإعلام أو المؤسسات الوثائقية، نصب أعينها، حتى تتمكن من أداء وظائفها المتمثلة في تقديم أحسن الخدمات المكتبية،حيث ترى هذه الأنظمة الوثائقية في التكوين إكساب عمالها مهارات جد متطورة من أجل تحقيق أهدافها.

وعلم المكتبات في شقه المهني يتوافق مع بقية المهن الأخرى. فبالرغم من أن التكوين قد خطا خطوات كبيرة سواء من حيث الأمكنة أو الأوطان التي شملها هذا التكوين أو من حيث الأزمنة، إلا أنه لا زال يبحث عن مهنيته، وبخاصة في الدول النامية.

 وقد وضع كثير من المتخصصين مجموعة من العناصر التي اعتبرت  عناصر أساسية يجب توفرها في أي مهنة[1]   وهي :

1ـ  المهنة يجب أن تمتاز بمهارات

2 ـ  المهنة يجب أن تنال ثقة من ممتهنيها

3  ـ ضرورة اعتراف المجتمع بهذه المهنة، ودور الجمعيات المهنية في نزع أو تحقيق هذا الاعتراف.

4 ـ ضرورة وجود قواعد، سواء قواعد ينظمها القانون أو قواعد أخلاقية، تحكم بين ممتهني مهنة المكتبات والمعلومات والجمهور الذي تقدم له خدمات هذه المهنة.

  والسؤال الذي نطرحه هو :ما مدى توفر مهنة المكتبات والمعلومات على هذه العناصر؟

والجواب هو أنه يمكن تطبيق هذه العناصر كلها على مهنة المكتبات والمعلومات، بالرغم من أن هناك من يرى أن هذه المهنة- على الأقل في الوقت الحالي- تحتاج إلى عمل أكثر حتى يرقى المحتوى الفكري لها إلى المستوى المطلوب.

وقد نعني بهذا المستوى المطلوب، اعتراف المجتمع بهذه المهنة. ولن يتحقق هذا الاعتراف إلا بإحداث برامج تكوينية تأخذ في الاعتبار واقع هذه المهنة من جهة، و طموحات المجتمع الذي تخدمه من جهة أخرى.

فالمهارات المشروطة في العنصر الأول، للإقرار بوجودها في مهنة المكتبات، يمكن اعتبارها مهارات متميزة، وتتمثل فيما تقدمه الخدمات المكتبية من" قيمة مضافة " لمحتوى الوثيقة، وهي مهارة لا تضاهيها أية مهارة.

 فالمكتبي بتطبيقه للمفاهيم العلمية التي اكتسبها من خلال التكوين النظري الأكاديمي، ومن خلال ممارساته اليومية، المتمثلة في الأعمال الفنية كالفهرسة والتحليل والتكشيف والاستخلاص، علاوة على ما تلقاه من تكوين في البحث البيبليوغرافي وقواعده وأسسه، وبفضل ما تعلمه من لغات وثائقية، وعمله الدءوب على اكتساب طرق التعامل الناجح مع التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال، وغيرها من المفاهيم، تجعل منه أكثر دقة فيما يقوم به من إجراءات، يمكن اعتبارها مهارات خاصة بالمهنة، مقارنة بما قد يكتسبه الأخرون-على سبيل المثال لا الحصر، بقية المستعملين للمكتبات من غير المتخصصين في مجال المكتبات والمعلومات- من مهارات في هذا الموضوع، التي تبقى مجرد ممارسات يغيب عنها البعد النظري والأكاديمي.

أما ثقة الممتهنين بمهنتهم  فهذا قد يتحقق أكثر، بالنظر إلى مستوى البرامج التكوينية المقدمة لهم، والطرق أو ألأساليب التي تقدم بها هذه البرامج، والتي يجب أن تراعي التطورات الحديثة في الميدان العملي، وفي كل مجالاته، على الرغم من أننا نؤكد هنا أن مستوى البرنامج ليس الشرط الوحيد لنيل ثقة الممتهنين بمهنتهم، فنحن نرد هذه الثقة أساسا إلى الميول والاستعدادات الشخصية لهؤلاء الممتهنين ومدى رغبتهم في ممارسة هذه المهنة ، فإقناع الآخرين بمهنة ما، يستوجب قناعة شخصية أولا و قبل كل شيء.

وتظهر هذه الثقة أيضا في طبيعة الخدمات المقدمة، والطريقة التي تقدم بها هذه الخدمات. فإرضاء الجمهور المستهدف من هذه الخدمات، قد لا يتحقق بتطبيق إجراءات منهجية أو مهنية، بقدر ما يتحقق بإظهار شخصية المكتبي والدلالة على دوره الذي لا يمكن الاستغناء عنه، وقد تساعد الجمعيات المهنية المتخصصة- الغائبة عن مؤسساتنا الوثائقية- في إضفاء شرعية هذا الدور، مما تزيده ثقة في نفسه وبالمهنة التي هو بصدد امتهانها.

وقد شبه المكتبيون، في فترة متقدمة من بداية ظهور هذا التخصص، "بالطيور النادرة"، فهل فعلا لا زالوا كذلك، أم أن تداخل المهن فيما بينها قد أضعف من الحواجز التي كانت تميز كل مهنة؟ وأكبر دليل على وجود هذا التداخل النقاش الدائر حاليا حول التكنولوجيات الجديدة للمعلومات والاتصال، وما أحدثته من تغييرات في مختلف المهن، وما ستحدثه في المستقبل من تداخل فيما بينها .

فمهنة المكتبات اليوم "متهمة" أكثر من أي وقت مضى بهذه التكنولوجيات الجديدة للمعلومات والاتصال، حتى تكاد تلصق بهذه المهنة دون غيرها من المهن . فهذا المفهوم، غير السليم وغير المؤسس، قد يكون السبب في تخوف بعض المكتبيين من هذه التكنولوجيات، وعدم تأقلمهم معها بالسرعة المطلوبة، مع العلم أن هذه التكنولوجيات لم تكن المكتبات هي مجال تطبيقاتها الأول ، بل طبقت في قطاعات أخرى، كالصناعة والتجارة، قبل أن تطبق في مجال المكتبات والمعلومات.

وعلى هذا الأساس فنحن نرى أن هذا الاتهام ليس له ما يبرره ،لأن التكنولوجيات الجديدة  للمعلومات والاتصال هي وسيلة تطورت عبر الزمن وتكاملت حلقاتها في نهاية القرن الماضي، مما أكسبها وحدة واحدة جعل منها المحور الأساس لهذا المجتمع الجديد الذي يعرف بمجتمع المعلومات، والذي تعمل كل الدول على ولوجه بأقل التكاليف.

إذن فتكنولوجيات الجديدة للمعلومات والاتصال بقدر ما هي مهمة للمكتبيين- وهذا ما جعل برامج التكوين الجديدة في علم المكتبات والمعلومات تركز عليها- فهي مهمة أيضا لباقي المهن الأخرى، ولكن يبقى على المكتبي، بفضل ما اكتسبه من مناهج علمية، أن يعتبر نفسه معنيا بهذه الوسيلة أكثر من غيره، وبالتالي فبرامج التدريس يجب أن تتجه نحو التركيز على الأعمال التطبيقية أكثر، من أجل التحكم في هذه التكنولوجيات، وبخاصة تكنولوجيا الحاسوب، لاستغلالها أحسن استغلال في جميع الخدمات المكتبية، وهذا لن يتم إلا بتوفيرها، أولا، على مستوى المكتبات ومراكز التوثيق بالجامعة، وبخاصة على مستوى مكتبة قسم المكتبات والمعلومات، لتصبح هذه المكتبة- مكتبة القسم- النموذج الذي تحتذي به بقية المكتبات الأخرى.

 وبالنظر إلى واقع مكتبات الجامعة في الوقت الراهن، فان جهودا كبيرة يجب أن تبذل من أجل وضع هذه المكتبات في الطريق الصحيح.

فالعنصر البشري متوفر ، ومتوفر بقوة ، ويتمثل في طلبة القسم أنفسهم، وذلك من خلال الأعمال التطبيقية والتربصات التي يقومون بها، سواء في إطار الأعمال اليومية أو في إطار التربصات طويلة الأمد، المبرمجة لسنوات التخرج( ليسانس وتقني سامي)  ، علاوة على المكتبيين أنفسهم، القائمون على شؤون هذه المكتبات، ونحن نعرف أن الإطارات والكوادر العلمية لهذه المكتبات أغلبها تحمل شهادات في التخصص ، بالإضافة إلى التجربة الكبيرة التي تؤهلهم إلى تحقيق خدمات أكثر مما يقومون به الآن.

 فالقسم يمكنه أن يضع بالتنسيق مع إدارة المكتبة الجامعية المركزية، برنامج عمل خاص بالنهوض بالمكتبات ، يتمثل في تشخيص الوضع الحالي للمكتبات، بمساهمة أساتذة القسم،  باعتبار أن هؤلاء أغلبهم مارس مهنة العمل في مكتبات الجامعة، وبالتالي مساهمتهم لن تكون إلا ايجابية ، وذلك باقتراح مخطط يساعد على النهوض بهذه المكتبات، وجعلها،  حقيقة، مكتبات قادرة على تحقيق أهداف الجامعة.

وقبل أن نبين ما يمكن لقسم المكتبات أن يقدمه في هذا الشأن، فقد رأينا أن نذكر بالظروف التي تم فيها فتح التكوين في تخصص علم المكتبات والمعلومات، والدوافع والأهداف التي كانت وراء فتحه.

 

التكوين في علم المكتبات والمعلومات بجامعة قسنطينة

إن فكرة فتح التكوين في علم المكتبات والمعلومات في جامعة قسنطينة، في بداية الثمانينيات وفي مستوى الدبلوم العالي للمكتبيين أولا، كان الهدف منها مجابهة الظروف الصعبة التي كانت تعيشها مكتبات الجامعة جراء عدم وجود مسيرين مختصين في المجال ، وخاصة أن تلك الفترة عرفت نشاطا كبيرا في مجال المقتنيات، نتيجة للظروف الاقتصادية الجيدة التي عرفتها الجزائر، على غرار بقية دول العالم.

 وقد تبع هذا الفتح، فتح مستويات أخرى: مستوى التقنيين السامين ومستوى الليسانس، هذا الأخير الذي كانت نتيجته المنطقية فتح دراسات عليا أولى، ثم فتح دراسات عليا ثانية.

 وبعد مرور أكثر من عقدين من الزمن على هذا التكوين بمختلف مستوياته، فان الملاحظة الأولى التي يجب إبداءها، هي أن هذا التكوين قد وصل إلى نقطة اللارجوع. فقد ذاع صيته وبخاصة على المستوى الوطني، فهو، من جهة، يعمل على إمداد مختلف المؤسسات الوثائقية على مستوى المنطقة الشرقية للوطن بالمكتبيين، ومن جهة أخرى، ها هي مكتبات الجامعة - جامعة منتوري قسنطينة - لا زالت تشتكي تقريبا من نفس المشاكل التي كانت تعيشها في الثمانينيات، فترة انطلاق التكوين، بالرغم من أن هذا التكوين كان يستهدفها بالدرجة الأولى.

 فوضع مكتبات الجامعة اليوم يثير طرح عدة تساؤلات، لأن أهمية فتح تخصص في علم المكتبات والمعلومات في الجامعة تأتي من أهمية تلبيته لحاجة مكتبات جامعتها بمختلف أنواعها، وذلك بمدها بالإطارات المؤهلة من أجل تحسين الأداء في خدمة القراء والباحثين.

فما هو وضع القسم الآن؟ فقسم المكتبات والمعلومات بجامعة قسنطينة، كغيره من الأقسام الأخرى يتطلع دوما إلى الاستمرار في تطوير المناهج الدراسية وجعلها تتماشى والتطورات التي يشهدها العالم. وهو يعمل في هذا  الاتجاه في إطار اللجنة البيداغوجية الوطنية للتخصص.

 فالبرامج المطبقة حاليا هي مماثلة للمناهج في أغلب المدارس المتخصصة في علم المكتبات والمعلومات، والقسم يعمل على تخريج مكتبيين يساهمون – من مقر عملهم – في تقديم خدمات لأصحاب الاختصاصات ألأخرى، بهدف تطوير العلوم والمعرفة بصفة عامة.

أما من حيث التأطير فالقسم أصبح له أساتذته الدائمون الخاصون به، وهذا في حد ذاته شيء ايجابي، مقارنة مع بعض التخصصات الأخرى، وهو يطمح للحصول على أساتذة دائمين في تخصصات مكملة، التي يحتاجها تخصص علم المكتبات والمعلومات، كالإعلام الآلي واللغات الحية الأجنبية والإحصاء وغيرها...

وتجدر الإشارة إلى أن جل أساتذة القسم هم مكتبيون سابقون أي أنهم عايشوا مكتبات الجامعة ويعرفون متطلباتها، وقد تأكدوا، من خلال تجربتهم ولو كانت قصيرة، من أن المكتبة هي القلب النابض للجامعة، وبالتالي لا بحث علمي ولا بحث بيداغوجي بدون مكتبات تحتوي أرففها على أرصدة وثائقية غنية ومنظمة. فالمكتبات هي المنطلق الأول للأبحاث وهي النهاية لها، وهي الركيزة الثالثة التي تبنى عليها الجامعة بعد الأستاذ والطالب.

 ومن هذا المفهوم يمكن التأكيد على أهمية المكتبات في الجامعة. وقد حاول كل المكتبيين السابقين -الأساتذة الحاليين- بعد أن استوعبوا هذا المفهوم أن يعملوا على تطبيقه ، كل على مستواه، لولا المشاكل والصعوبات التي واجهتهم، مثل الفراغ القانوني الذي لازم هذه المؤسسات الوثائقية ومن يعمل بها من مكتبيين، علاوة على ظروف العمل الداخلية، وبخاصة على مستوى مكتبات المعاهد - الأقسام حاليا - المتمثلة في عدم ملائمة مقراتها ، التي هي في أغلبها قاعات للدراسة، أومن حيث التجهيزات، بالإضافة إلى عدم وضوح الرؤى، فيما يتعلق بالمسؤوليات داخل هذه المكتبات.

 وفي الجهة المقابلة-جهة قسم المكتبات- ونظرا لحاجة التكوين، في تلك الفترة، لمثل هذه المستويات من المكتبيين في تغطية بعض المقاييس المدرسة في غياب الأساتذة من مختلف المستويات ، فقد وجد القسم في هؤلاء المكتبيين ضالته في تغطية بعض المقاييس وبخاصة منها المقاييس التطبيقية.وقد يكون العكس صحيحا أيضا. ألم يجد هؤلاءالمكتبيون ضالتهم في التعليم أيضا؟ فقد وجدوا في التعليم متنفسا لهم، أبعدهم عن مشاكل المكتبات.

ففي هذه الحالة، وفي هذا المستوى البسيط من التحليل، ألا يمكن القول أن التكوين قد خدم الأفراد أولا؟ وما يمكن تأكيده في هذا الشأن أن مغادرة أغلب هؤلاء المكتبيين نحو التعليم، قد اعتبر بالنسبة إليهم المخرج لهذا الوضع المتأزم، حتى أصبح البعض يتساءل، ولو بشيء من الفكاهة، عن مصيره في حالة عدم فتح أو غياب هذا التكوين، مع العلم أن مغادرة المكتبات باتجاه القسم، تمت بسرعة ، ولم تكن مدروسة ، مما أحدث، في بداية الأمر، شرخا على مستوى المكتبات. فالتحويل السريع هذا نحو التعليم، لم يترك للمكتبات الوقت الكافي للاستثمار في هؤلاء المكتبيين، بعد تكوينهم، كما لم يترك أيضا لهؤلاء المكتبيين الوقت الكافي، للتعايش مع المكتبات، والتأقلم مع الظروف المحيطة بها، لكي تتاح لهم فرصة المساهمة في إيجاد حلول للمشاكل التي تعيشها هذه المكتبات.

والملاحظ هنا أن هناك رضا وقبولا من طرف المكتبيين المحولين ، وخاصة عندما سمح لحاملي شهادة الدبلوم العالي للمكتبيين بالتسجيل في السنة الثانية ماجستير في التخصص ، وقد ربط هذا التسجيل ، الذي هو في الحقيقة امتياز، بشرط ممارسة العمل في المكتبات لمدة لا تقل عن خمس سنوات، بالتوازي مع ممارسة التعليم في القسم، وهو ما يؤكد، مرة أخرى، خدمة هذا التكوين للأفراد، وقد كان هذا، طبعا على حساب المكتبات. ورغم هذا فنحن نؤكد، وبصفة عامة ،أن فرص التكوين، أو الالتحاق بالقسم ، وفي مختلف المستويات، قد أتيحت لأغلب المكتبيين كل بحسب مؤهلاته. 

والآن وبعد هذه المرحلة، التي يمكن اعتبارها مرحلة انتقالية،  والتي كان فيها قسم المكتبات في أمس الحاجة إلى مثل هؤلاء، من أجل  تأسيس الإطار المناسب من الأساتذة، لتوسيع دائرة التكوين لتشمل كل المستويات. و ها هي الدائرة قد اكتملت، وأصبح القسم كيانا مستقلا كبقية الأقسام الأخرى المكونة للجامعة، فمن حقه أن يكون كذلك، و لكن ليس من حقه أن ينسى أنه خرج من رحم المكتبات ، وبالتالي فهو يحمل على عاتقه مسؤولية الاهتمام بها ومساعدتها على التغلب على المشاكل التي لا زالت تعيشها.

فالمكتبات ، بالأمس واليوم وغدا، مهامها ثابتة ولن تتغير . فهي السند الحقيقي للمنظومة التعليمية والبحثية ، ومن أجل تحقيق هذه المهام على أحسن وجه، فهي في حاجة ماسة إلى مكتبيين متعددي المستويات.

 

واقع مكتبات الجامعة وعمالها

إن المهام المكتبية التي يحددها قانون المكتبيين 89/122[2] تشمل كل العمال المحتمل وجودهم في المكتبات الجامعية، وقد حدد القانون الشهادات المطلوبة بالنسبة لكل خدمة أو مجموعة خدمات، والقسم الآن يعمل على تكوين حاملي الشهادات المؤهلة للأعمال العلمية والتقنية، أو ما يعرف بالهياكل العلمية ، دون الشهادات المؤهلة للخدمات اليومية المباشرة ، مع العلم أن المكتبات لا تسيرها الهياكل العلمية فقط ، والتي يعمل القسم على إعدادها، وإنما تحتاج أيضا إلى الهياكل المنفذة، أو ما يعرف بالأعوان التقنيين والذين يشكلون المحك الصحيح لإظهار المستوى الحقيقي للخدمات المكتبية التي تعمل الهياكل العلمية على القيام بها ، والمتمثلة في الإجراءات الفنية المختلفة، وما ينتج عنها من وسائل بحث كالفهارس والبيبليوغرافيات والكشافات.

فالمكتبات الآن مهما بلغ مستوى الأعمال الفنية التي تقوم بها ، إلا أنها تبقى في أمس الحاجة إلى من يقدم هذه الخدمات، ويوصلها إلى المستفيدين في صيغتها النهائية : كخدمة الإعارة ، وخدمة الإشراف على قاعات المطالعة والبحث وخدمة ترتيب الكتب ، والسهر على بقائها مرتبة بحسب التصنيف المتبع، وصيانتها، وغيرها من الخدمات.

إن طبيعة المكتبات بصفة عامة، والمكتبات الجزائرية على الخصوص، لا زالت في أغلبها، تطبق نظام الرفوف المغلقة، لما تفرضه بنايات المكتبات الحالية، وبخاصة منها مكتبات الأقسام، التي هي مجرد قاعات للدراسة حولت لمخازن كتب. فالتعامل مع الأرصدة الوثائقية يتم بطريقة غير مباشرة- من خلال وساطة هذه الفئة من المكتبيين-الأعوان التقنيون- وهو ما يجعل المكتبات تبقى في حاجة ماسة إلى هذه الفئة من العمال الذين يمثلون أعلى نسبة من عمال المكتبات ، وقد تصل هذه النسبة إلى 80% من مجموع عمال المكتبة [3]

فالقانون المذكور أعلاه يعرف بهم وبنوع الخدمات المنوطة بهم والتي عليهم القيام بها إلا أنه لم يحل إشكالية تكوينهم وإدماجهم، وحتى توظيفهم، فقد ربطه القانون المذكور أعلاه بشرط حصولهم على شهادة في التخصص، في غياب مؤسسات مؤهلة لتقديم برامج تكوينية في هذا المستوى .

 وقسم المكتبات، كبقية أقسام الجامعة، ليس من صلاحياته فتح تكوين في هذا المستوى، غير أنه بامكانه، أن ينسق مع إدارة مكتبات الجامعة، وادارة الموارد البشرية بالجامعة، والتي هو جزء منها، من أجل الاهتمام بهذه الفئة من العمال وإعطائهم تكوينا يليق بمستواهم، ويليق بالخدمات المطلوب منهم تأديتها وذلك بغية تثبيتهم في أماكن عملهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، العمل مع نفس الجهات المذكورة أعلاه من أجل حل مشكلة التوظيف التي يطرحها القانون ، لأنه، كما سبقت الإشارة إليه، فهذه الفئة من العمال، هي المسئولة و بصورة كاملة، على جميع الخدمات المكتبية المباشرة، التي تعمل مكتبات الجامعة على تقديمها للمستفيدين ، وبالتالي  فلها الدور الكبير في إنجاح المشاريع الطموحة التي ترمي مكتبات الجامعة إلى تحقيقها.

ونحن نرى أن الضرورة التي أملت على الجامعة أن تؤسس هذا القسم ، تملي عليها أيضا ضرورة تطويره، وشرط تطويره يمر حتما بتطوير شبكة المكتبات بمختلف أنواعها، وتطوير وترقية العاملين بها. فماذا يمكن أن يقدمه القسم لمكتبات الجامعة حتى تحقق أهدافها ؟ وهذا ما سنحاول توضيحه فيما يأتي.

 

عوامل النهوض بمكتبات الجامعة : مكتبة القسم نموذجا

إن عوامل النهوض بمكتبات جامعة قسنطينة هي كثيرة ومتعددة ، تستوجب مساهمة عدة أطراف : خارجية، المتمثلة في الجهات الوصية على المكتبات كالوزارة، كأن تعيد،هذه الأخيرة، النظر في القوانين المسيرة للمكتبيين ، من جهة، ومن جهة أخرى، القوانين المسيرة للمكتبات نفسها، وأطراف داخلية المتمثلة في رئاسة الجامعة ومصالحها المنفذة، دون أن ننسى ما يتطلب القيام به من طرف المكتبيين وعمال المكتبات بصفة عامة، من أجل المساهمة الفعلية في ترقية مستوى العمل المكتبي وإحداث تفاعل تام بين مختلف هذه الأطراف.

 وهذه بعض الاقتراحات التي يمكن ، حسب رأينا، أن تفيد في تطوير مكتبات الجامعة ، التي يمكن تطبيقها أولا على مكتبة قسم المكتبات، لما تتوفر عليه من عوامل النجاح ،من جهة، ومن جهة أخرى، لما تشهده هي الأخرى من مشاكل، تعيقها على أداء مهامها، مع إمكانية توسيع هذه الاقتراحات وإسقاطها على بقية مكتبات الجامعة

وتتمثل هذه الاقتراحات في النقاط آلاتية:-

1-إعادة النظر في تصنيف الكتب وتطبيق تصنيف يتلاءم مع التطورات التي يشهدها علم المكتبات والمعلومات. ونحن نرى أن التصنيف الأكثر ملاءمة لهذا التخصص هو التصنيف المطبق من طرف قاعدة المعلومات العلمية والتقنية باسكال (Pascal). وهو التصنيف الملائم، الذي من شأنه أن يساعد على وضع حد نهائي لمشكل نظام الرفوف الذي لم يستقر على وضع واحد في هذه المكتبة منذ إنشائها.

2-جرد حقيقي لمحتويات المكتبة للتأكد مما تم إدخاله في ذاكرة الحاسوب، والاستمرار في إدخال الكتب التي لم يتم إدخالها، وذلك في إطار تطبيق النظام المقنن لتسيير المكتبات Syngeb) ( الذي أعده مركز الإعلام العلمي والتقني(Cerist)، وهو النظام الذي تبنته أغلب المكتبات الجامعية الجزائرية ، بما فيها مكتبات جامعة قسنطينة [4].

3-إخراج الوثائق التي لها علاقة بالتداول اليومي للطلبة في إطار الأعمال التطبيقية، كالمراجع والبيبليوغرافيات وأمهات الكتب، وكذلك الوثائق المرجعية الخاصة بالفهرسة والتصنيف، وتخصيص قاعة خاصة بها.

4-مراجعة مخازن المكتبة المركزية، بالتنسيق مع إدارتها، لتحويل عناوين الكتب المتخصصة في علم المكتبات ، وكذلك الكتب والوثائق التي لها علاقة بالتخصص، في حالة وجودها في نسخ متعددة، إلى مكتبة القسم .

5-توفير عمال قارين ودائمين لهذه المكتبة، تحت مسؤولية محافظ مكتبات، مختص، تعطى له كل الصلاحيات والوسائل لتحقيق أهداف المكتبة.

6- ضرورة ربط مكتبة القسم بالشبكة العالمية - الإنترنت - وإنشاء موقع لها على الشبكة، لإحداث تفاعل بينها وبين مكتبات الأقسام المماثلة لها في العالم، من جهة ، ومن جهة أخرى لتمكين الطلبة والأساتذة من الإطلاع المباشر على كل ما له علاقة بالتخصص.

ويمكن أن تجد هذه الاقتراحات وغيرها مكانتها المرجوة ، وخاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار إمكانية انتقال القسم إلى مقره الجديد "بالمدينة الجديدة" ، وما قد يوفره هذا المقر من إمكانيات كبيرة ، سواء من حيث التكنولوجيات الجديدة، أو من حيث الاتساع في الاماكن وتعددها، وذلك بحسب ما يهدف إليه المشروع الجديد.

أما فيما يتعلق برسكلة عمال المكتبات وتحسين مستواهم، بطريقة مستمرة ودائمة بما يتلاءم والتطورات الجديدة التي يعرفها ميدان علم المكتبات والمعلومات، وبخاصة منهم الهياكل العلمية المسئولة، فان القسم وبالتنسيق مع إدارة المكتبات الجامعية، يمكنه أن يبرمج دورات تكوينية منتظمة ودائمة، تمس كل المستويات وكل الأصناف ، تحت إشراف وتأطير أساتذة القسم ، وبذلك فقط نتفادى المشاكل التي يطرحها هؤلاء العمال عند كل فترة امتحان مهني، والمتمثلة في برمجة تكوين يتسم بالظرفية، لا يستفيد منه أغلب العمال.

ويمكن تعميم ما ترمي إليه هذه النقطة أو هذا الاقتراح، على مكتبي جامعات الشرق الجزائري، باعتبار أن التكوين في هذا التخصص هو تكوين يشمل كل مدن الجهة الشرقية للوطن.

وفي الاتجاه نفسه والطريقة نفسها، يمكن تعميم هذه المقترحات البسيطة على بقية مكتبات الجامعة، وإنشاء تنسيق فيما بين هذه المكتبات ، يتماشى مع القوانين المسيرة للجامعة من جهة، ومع طموحات الجامعة البحثية والبيداغوجية ،من جهة ثانية، والتي تعتبر فيها المكتبات، عاملا أساسيا، ومقوما من مقومات نجاحها. فعامل التنسيق والتعاون بين المكتبات داخل الجامعة الواحدة بصفة خاصة، وبين المكتبات الجامعية الجزائرية بصفة عامة ، أمر لا بد منه، وخاصة في ظل التوجهات الجديدة التي يعرفها عالم المكتبات والمعلومات والمتمثلة في إنشاء تجمعات مكتبية بمختلف أنواعها، وعلى مختلف المستويات.

 

الهوامش

[1] - أحمد بدر.- المدخل إلى علم المعلومات المكتبات. الرياض: دار المريخ،1985. ص 367

[2] - المرسوم التنفيذي رقم 89-122المؤرخ في 18 ذي الحجة عام 1409 الموافق 18 يوليو 1989 يتضمن القانون الأساسي الخاص بالعمال المنتمين للأسلاك التابعة للتعليم والتكوين العاليين(الجريدة الرسمية رقم29)

[3] - قموح، ناجية.- السياسة الوطنية للمعلومات العلمية والتقنية ودورها في دعم البحث العلمي. رسالة دكتوراه . قسم المكتبات والمعلومات .جامعة قسنطينة،2004.ص.279

[4] - أنظر توصيات الملتقى الوطني ألأول حول البرمجيات الوثائقية في المكتبات الجامعية الجزائرية. جامعة أحمد خيضر بسكرة وقسم المكتبات جامعة منتوري قسنطينة .بسكرة 14-15-فيفري 2006.